لن تجد أباً أو أماً يتحدث بصراحة مطلقة عن مشاكل طفله الصحية العادية، لكن الأكثر صعوبة في التناول أن يتعلق الأمر بالصحة الجنسية للمولود.
ربما حان الوقت للتحدث بصراحة عن "التحول الجنسي" الذي يتعلق بالأطفال، كيّ ندقق النظر جيداً في هذه المشكلة التي يُولد بها الأطفال الصغار، وتخشى عائلتهم التحدث عنها، ويعتقدون أن طفلهم الذي يعاني من اضطراب الهوية الجندرية، أو تظهر عليه الصفات الأنثوية أو الذكورية معاً هو وصمة عار.
ولترسيخ أهمية حماية الأطفال المتحولين جنسياً، أكدت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (UNCRC) أنه يحق للأطفال المتحولين جنسياً الحصول على رعاية صحية عادلة، ولابد من المساواة بين هذه الفئة المهمشة من الأطفال وأقرانهم.
وفي هذا الصدد، خاضت "بوابة صحة" رحلة طبية عبر مختلف دول العالم، لمعرفة متى يمكن أن يصبح الطفل متحولاً جنسياً ولكن من وجهة نظر طبية بحتة، دون المساس بالمعايير الأخلاقية والمجتمعية، وكيف يمكن إعداده مرة أخرى ليستقبل حياته الجديدة، بعدما عرف من يكون!
الطفل المخنث الذي قد يكون له جهازين تناسليين
نبدأ رحلة البحث من المغرب، حيث قالت د.نجلاء البوليفي، وهي جراحة أطفال مغربية، لـ "بوابة صحة": توجد فئة من الأطفال تولد بجهاز تناسلي غير طبيعي، على سبيل المثال لا يكون لدى الرضيع الذكر خصيتين، وفي حالات أخرى يكون للطفل جهازين تناسليين أنثوي وذكري.
وأوضحت أن هذه الحالة تُعرف باسم "الطفل المخنث"، وبناء على ذلك، يقرر الطبيب إجراء جراحة عاجلة، ولكن بعدما يتم التأكد من جنس المولود.
ولفتت "البوليفي" إن تحديد جنس الطفل يتم عبر خضوعه للتحاليل الصبغية أو الفحوصات الإشعاعية مثل الموجات فوق الصوتية على القلب والأعضاء التناسلية والرحم والمبيض والبروستاتا والخصيتين، كما يحاول الطبيب التوصل إلى العلامات البارزة التي تساعده في تحديد نوع الرضيع الذكورية أو الأنثوية، مثل بروز الثدي أو الخصيتين.
واستكمالاً لمعرفة المزيد حول التحول الجنسي، أوضح د.تارون أناند، وهو طبيب هندي واستشاري في طب الأطفال وحديثي الولادة، لـ "بوابة صحة" أن هناك بعض من العلامات التي تدل على وجود خلل الهوية الجنسية لدى الأطفال، وخاصة قبل الخضوع لجراحة التحول الجنسي، وهو شعور بالضيق ناتج عن عدم التوافق بين جنسهم المحدد عند الولادة والعلامات التي تظهر عليهم، بما في ذلك كراهية شديدة لخصائصهم الجسدية.
وأضاف "أناند" أن الطفل في هذه الحالة يخضع لاختبارات وراثية وهرمونية لتوضيح عوامل الكروموسومات أو الغدد الصماء، لاتخاذ قرار الجراحة من عدمه، ويتم تأجيل التدخلات الجراحية حتى سن البلوغ، وبعد العملية الجراحية، يتلقى المراهقون حاصرات البلوغ أو العلاج الهرموني.
وعند التطرق إلى المخاطر الصحية التي تكون ناتجة عن عملية التحول الجنسي، أشار الطبيب الهندي لوجود مضاعفات محتملة تشتمل على العدوى بمختلف أنواعها، وتأثيرات صحية متعلقة بالتخدير.
وأضاف: "يمكن أن يسبب العلاج بالهرمونات البديلة إلى مخاطر صحية على المدى البعيد مثل جلطات الدم أو فقدان كثافة العظام، ومن المحتمل أن يمر هؤلاء الصغار ببعض من التحديات الصحية بما في ذلك، زيادة التعرض للقلق أو الاكتئاب والتفكير في الانتحار، بسبب وصمة العار المجتمعية أو التمييز.
ولم يكتفِ "أناند" بالتحدث عن طفولة المتحولين جنسياً، لكن تطرق لكيفية المعيشة بعد البلوغ، وسلّط الضوء على الإنجاب.
وأوضح أن النساء المتحولات جنسياً، ولديهن عضو تناسلي أنثوي فقط، ولا يوجد مبيضين أو رحم، يمكن أن يخضعن لعملية زراعة الرحم حتى يستطعن الإنجاب، ولكنها جراحة غير متاحة على نطاق واسع، كما تحمل مخاطر صحية تتمثل في زيادة خطر الإجهاض.
وقبل أن يختتم حديثه مع "بوابة صحة"، أكد أن المدرسة تلعب دوراً هاماً في إعادة بناء هؤلاء الأطفال، ودمجهم في المجتمعات، وذلك من خلال تطبيق بعض من النصائح، التي تتضمن ما يلي:
1-يجب على المدارس تثقيف الموظفين والطلاب وأولياء الأمور حول التحول الجنسي.
2-السماح للأطفال بالمشاركة في الأنشطة التي تتماشى مع هويتهم الجنسية.
3- يجب تدريب الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس على تقديم الدعم العاطفي ومعالجة أي تنمر أو تمييز.
4-يجب أن تعمل المدارس بشكل وثيق مع العائلات لضمان تلبية احتياجات الطفل مع احترام خصوصيته.
5-يساعد دمج الدروس التعليمية التي تتضمن تقبل الآخر في مكافحة وصمة العار.
تنتقل "بوابة صحة"، من الهند إلى فرنسا، إذ تحدثت إلى د. فيليب فروجيل، الطبيب والعالم فرنسي، ورئيس قسم الطب الجيني في قسم التمثيل الغذائي والهضم والتكاثر في "إمبريال كوليدج" لندن، عن وجود أسباب وراثية تتسبب في ولادة أطفال يحملون الجينات الذكرية والأنثوية معاً.
وقال: "لدينا 22 كروموسوماً متطابقاً بالإضافة إلى كروموسومين جنسيين X أو Y، والفتى هو XY والفتاة هي XX، ولكن بعض الفتيات وُلدن بـ XXY أو X فقط، وتسمى XXY الخصية المؤنثة لأنها تبدو مثل الإناث أي يكون هناك خللاً في تكوين الأعضاء التناسلية الذكرية، وتعطي النمط الظاهري الأنثوي".
هناك أسباب وراثية لولادة أطفال بجينات ذكرية وأنثوية معاً
وأكمل فروجيل قائلاً: "على الجانب الآخر، تولد الإناث X فقط، وفي هذه الحالة يعانون من متلازمة تيرنر، وهو اضطراب جيني، يسبب بعض من المشكلات الصحية للإناث بما في ذلك قصور المبايض، ما يسبب العقم".
وأشار إلى أن هناك ما يُعرف باسم "الخنوثة"، وتعني أن الأشخاص لديهم أعضاء جنسية ذكورية وأنثوية معاً أو خنوثة كاذبة عندما تكون الأعضاء الجنسية ظاهرياً معاكسة للكروموسوم الخاص بالحالة وهو xx أو XY؛ على سبيل المثال تكون الأعضاء التناسلية الأنثوية ظاهرة وواضحة للأطباء، ولكن الجينات ذكورية".
ونوه العالم الفرنسي إلى أن الأمراض الوراثية قد تكون أحد العوامل التي تؤدي إلى إنجاب طفل يحمل الصفات الأنثوية والذكورية معاً، حيث يحدث خللاً في بعض الأوقات في توزيع الكروموسومات عند الحمل، ولكن الخنوثة ليست وراثية بشكل مباشر.
وعندما يتعلق الأمر بالجينات والفحوصات التي تحدد إذا كان الطفل ذكراً أم أنثى، نصح "فروجيل" بالخضوع لـإجراء تحليل الكروموسومات karyotype test، وبالتالي فإن خلل الجينات أو الكروموسومات يعد إحدى العوامل التي يتم اتخاذ إجراء جراحة التحول الجنسي للأطفال على أساسها.
وهذا سيأخذنا إلى منحنى آخر ربما سيُسقط الكثير من الادعاءات التي تحاول ربط الخلل الجيني بـ "المثلية الجنسية"، حيث أكدت دراسة أمريكية نُشرت في 29 أغسطس 2019 في مجلة "Sceience"، استناداً على جينومات ما يقرب من 500 ألف شخص من أصول أوروبية.
وكانت معظم الجينومات من برنامج أبحاث البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وشركة علم الوراثة الاستهلاكية "23andMe"، ومقرها ماونتن فيو، كاليفورنيا، أن "المثلية الجنسية لا جين لها".
وكانت أعمار المشاركين في البنك الحيوي في المملكة المتحدة تتراوح بين 40 و70 عاماً عندما تم جمع بياناتهم، وكان متوسط عمر الأشخاص في قاعدة بيانات 23andMe هو 51 عاماً.
وخلصت النتائج إلى أنه ليس هناك جين في الجسم يقول بأنك ستكون "مثلي"، كما أكد مؤلف الدراسة الرئيسي أندريا جانا، عالم الوراثة في معهد برود التابع لمعهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا وجامعة هارفارد في كامبريدج: "لا يوجد جين مثلي الجنس"، وبناء على ذلك، عند التحدث عن المثلية الجنسية، لا ينبغي ربط الأمر بخلل الجينات أو الكروموسومات.
لمعرفة الإجراءات التي يجب اتباعها بعد جراحة التحول الجنسي، وأهمها التأهيل الغذائي والنفسي، لتجنب التعرض للضعف العام أو المضاعفات الصحية؛ حاورت "بوابة صحة" تريش تاكر ماي أخصائية التغذية الأسترالية.
وقالت تريش تاكر ماي، إن التحول الجنسي لدى الأطفال يعد تجربة شخصية ومعقدة للغاية، وبالنسبة للأطفال المتحولين جنسياً، فإن ضمان التغذية الكافية يمكن أن يدعم أيضاً أي علاجات طبية قد يخضعون لها، مثل حاصرات الهرمونات أو العلاج الهرموني.
يحتاج الأطفال لنظام غذائي بعد عملية التحول الجنسي
وأضافت "ماي" أنه ينبغي إدراج إرشادات غذائية عامة وفقاً لعدة عوامل بما في ذلك عمر الطفل ومستوى نشاطه، وتتضمن هذه الإرشادات ما يلي:
1-المغذيات الكبيرة المتوازنة: تناول الكربوهيدرات والبروتينات والدهون الصحية.
2-الفيتامينات والمعادن الكافية: تعتبر المستويات الكافية من الفيتامينات والمعادن، مثل الكالسيوم وفيتامين D، هامة لصحة العظام.
3-الترطيب: تناول السوائل المناسبة للحفاظ على الترطيب ودعم وظائف الجسم.
وعند التطرق إلى المشاكل الغذائية التي يمكن أن تواجه الأطفال المتحولين جنسياً، أشارت خبيرة التغذية الأسترالية إلى أنهم يواجهون تحديات صحية غذائية محددة، تتأثر بالعلاجات الطبية، وتشتمل على ما يلي:
-صحة العظام: تؤثر العلاجات الهرمونية، مثل مثبطات البلوغ على كثافة العظام، وبالتالي ينبغي تناول كمية كافية من الكالسيوم وفيتامين D لدعم صحة العظام.
-التغيرات الأيضية: العلاج الهرموني يمكن أن يغير عملية التمثيل الغذائي وتوزيع الدهون، الأمر الذي يتطلب تعديلات في العادات الغذائية للحفاظ على وزن صحي.
-صحة القلب والأوعية الدموية: يمكن أن تؤثر بعض العلاجات الهرمونية على مستويات الكوليسترول، مما يستلزم اتباع نظام غذائي صحي للقلب منخفض الدهون المشبعة وغني بالألياف.
-الصحة العقلية وعادات الأكل: يمكن أن تؤدي مشكلات عدم تقبل شكل الجسم بين الصغار المتحولين جنسياً إلى أنماط الأكل المضطربة، وفي هذه الحالة يساعد الدعم النفسي والنظام الغذائي السليم في تطوير عادات الأكل الصحية.
يلعب التأهيل النفسي للأطفال المتحولين جنسياً دوراً هاماً في بناء شخصية الطفل، لتعريفه على نفسه مرة أخرى، كما أنه يفتح المجال لنقاشات حساسة يصعب على الصغار التحدث بها أمام والديهم، وبالتالي كان لابد من حل الألغاز النفسية التي يمر بها هؤلاء الصغار، ووضعها على طاولة الآباء، ليعرفوا كيفية التعامل الصحيح مع أطفال يعيشون بمشاعر جديدة وهوية كانت مجهولة من قبل.
تظهر على هؤلاء الأطفال أعراض اضطراب الهوية الجنسية
وساعدتنا في ذلك د.كارول ليبرمان، وهي طبيبة نفسية أمريكية، قالت في تصريحاتها لـ "بوابة صحة" أن هؤلاء الأطفال يعانون من اضطراب الهوية الجنسية أو خلل الهوية الجنسية، وتظهر عليهم بعض الأعراض التي تستمر 6 أشهر على الأقل، وبعد ذلك يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتتضمن العلامات البارزة ما يلي:
- ارتداء ملابس من الجنس الآخر.
- صديقهم الخيالي يكون من الجنس الآخر.
- ممارسة الألعاب أو الأنشطة التي يستخدمها الجنس الآخر بشكل نمطي.
- التقرب من زملاء اللعب من الجنس الآخر.
-رفض قوي للألعاب أو الأنشطة التي يستخدمها جنسهم بشكل نمطي.
وعند الحديث عن كيفية تقبل الطفل نفسه بعد الخضوع لجراحة التحول الجنسي، نوهت "ليبرمان" إلى أنه من المربك جداً أن يخضع الطفل لعملية تحويل الجنس لأنه لم يفهم بعد التشريح الجنسي بشكل كامل والحالة الجنسية، وفي كثير من الأحيان، تكون بعض أعراض اضطراب الهوية الجنسية مجرد مرحلة عابرة، إذ ساعدهم الآباء على التخطي وفقاً لتعليمات الطبيب النفسي.
وعندما يتعلق الأمر بدور الوالدين، قالت الطبيبة النفسية الأمريكية أن التحدث مع الطفل إذا لم يكن رضيعاً، وفي مرحلة عمرية تسمح له بفهم الجمل البسيطة من الأمور الهامة، وفي هذه الحالة، ينبغي على والديه توضيح ما سيحدث له، وكأنه سيولد من جديد، ويجب أن يكون تحديد نوع الجنس وفقاً للطبيب والفحوصات الطبية أي لا يضر الآباء على تحويله إلى فتاة أو فتى وفقاً لرغباتهم.
وختمت حديثها بتوجيه بعض النصائح للآباء، والتي تتضمن التحلي بالصبر، وتقديم الرعاية والحب والتشجيع وخاصة إذا ظهر على طفلهم بعض من المشاكل النفسية خلال مراحل نموه، وخاصة أنه سيصعب عليهم تكوين صداقات في البداية، حيث لا تتقبل جميع الأسر مفهوم "التحول الجنسي"، وفي حالة التفكير في إنجاب طفل جديد، يُنصح بإخبار الطفل أولاً أنهم يرغبون في أن يكون له أخ أو أخت لكي تكبر عائلتهم، وليس لأنهم يشعرون بالعار منه.
وفي النهاية، ربما على العالم أن ينتبه لهذه الفئة من الأطفال، والتوقف عن إطلاق الأحكام عليهم، لأنهم وُلدوا على هذه الشاكلة، ولا يعني الاختلاف الجيني أنه كائن غريب أو من عالم موازي، ولكنه لديه قلب ينبض آملاً أن يجد لنفسه مكاناً في المدرسة ثم المجتمع ثم العمل.